الاثنين، 5 أغسطس 2013

نظرية الفوضى الخلاقة وتدمير الاستقرار في العالم العربي


نظرية الفوضى الخلاقة وتدمير الاستقرار في العالم العربي

” .. يعتبر مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد أو مهما كان اسمه، من أهم تطبيقات نظرية الفوضى الخلاقة في الوقت الراهن وتمتد جذور هذا المشروع إلى أوروبا الثورة الصناعية، حيث بدأ يتشكل في الوقت الذي بدأ فيه مشروع أوروبا الكولونيالي يعي نفسه بشكل مبرمج مستهدفا قارات آسيا وإفريقيا، في زمن الامبراطوريات الأوروبية”
ـــــــــــــ
تعد نظرية "الفوضى الخلاقة" من أبرز النظريات التي لعبت دورا كبيرا في تغيير طبيعة السياسة والعلاقات الدولية وأنظمة الحكم المعاصرة، وهي " حالة جيوسياسية تعمل على إيجاد نظام سياسي جديد وفعال ـ على حد تعبير أصحابها ـ بعد تدمير النظام السياسي القائم أو تحييده ", وبمعنى آخر، إخضاع النظام القائم لحالة من الفوضى والتدمير المنظم من خلال اختراق ما يطلق عليه بفجوة الاستقرار في ذلك النظام بقصد هدمه بشكل كامل وإعادة تشكيله وبنائه من جديد.
وتعرف كذلك نظرية الفوضى الخلاقة بأنها التغيرات التي تحدث على التوازنات المستقرة في أي نظام، فهي نظرية تقول بأن تغييرات ضئيلة جدا قد تتسبب بانهيار التوازنات المستقرة جدا، وينظر إلى الفوضوية كاصطلاح سياسي بأنها كلمة مأخوذة من اللغة اليونانية وتعني "لا نظام " وبالتالي الفوضى، ويعد مايكل ليدين العضو البارز في معهد أميركا انتربرايز أول من صاغ مفهوم الفوضى الخلاقة أو الفوضى البناءة أو التدمير البناء في معناه السياسي الحديث، وهو ما عبر عنه في مشروع التغيير الكامل للشرق الأوسط الذي أعد في عام 2003م.
ويرى البعض أن الفوضى الخلاقة في جانبها السياسي/ الجغرافي الحديث ترتكز على أيديولوجيا أميركية نابعة من مدرستين رئيسيتين: الأولى صاغها فرانسيس فوكوياما بعنوان نهاية التاريخ وأخرى صاغها هنتينجتون بعنوان صراع الحضارات، وقد طور نظرية الفوضى الخلاقة أحد أهم المحاضرين في وزارة الدفاع الأميركية وهو البروفيسور توماس بارنيت، الذي قسّم العالم إلى من هم في القلب أو المركز ـ أميركا وحلفائها ـ وصنف دول العالم الأخرى تحت مسمى دول ـ الفجوة أو الثقب ـ حيث شبهها بثقب الأوزون الذي لم يكن ظاهرًا قبل أحداث 11 سبتمبر من العام 2001م.
ويذهب بارنيت إلى أن دول الثقب هذه هي الدول المصابة بالحكم الاستبدادي، والأمراض والفقر المنتشر، والقتل الجماعي والروتيني، والنزاعات المزمنة، وهذه الدول تصبح بمثابة مزارع لتفريخ الجيل القادم من الإرهابيين، وبالتالي فإن على دول القلب ردع أسوأ صادرات دول الثقب، والعمل على انكماش الثقب من داخل الثقب ذاته، ويعتقد أصحاب وأنصار نظرية الفوضى الخلاقة بأن خلق حالة من الفوضى وعدم الاستقرار في نظام ما سوف يؤدي حتماً إلى بناء نظام سياسي جديد، أفضل بكثير من النظام القائم، يوفر الأمن والازدهار والحرية وهو ما يشبه العلاج بالصدمة الكهربائية لعودة الحياة من جديد.
وتعتبر نظرية الفوضى الخلاقة أحد "أهم الأفكار التي أنتجها العقل الاستراتيجي الأميركي في التعامل مع قضايا العالم العربي تحديدا؛ حيث تمت صياغة هذا المصطلح بعناية فائقة من قبل النُّخب الأكاديمية وصُناع السياسة في الولايات المتحدة، فعلى خلاف السائد في المجال التداولي لمفهوم الفوضى المُثقل بدلالات سلبية من أبرزها عدم الاستقرار، أضيف إليه مصطلح آخر يتمتع بالإيجابية وهو الخلق أو البناء، وبالطبع ولا يخفى على أحد خبث المقاصد الكامنة في صلب مصطلح "الفوضى الخلاقة"، بغرض التضليل والتمويه على الرأي العام العربي والعالمي، وتمثل الأطروحة الرئيسية لنظرية الفوضى الخلاقة على اعتبار الاستقرار في العالم العربي عائقًا أساسيًّا أمام تقدُّم مصالح الولايات المتحدة في المنطقة؛ ولذلك لا بد من اعتماد سلسلة من التدابير والإجراءات تضمن تحقيق رؤيتها التي تطمح إلى السيطرة والهَيْمنة على العالم العربي، الذي يمتاز بحسب النظرية بأنه عالم عقدي وغني بالنفط، الأمر الذي يشكل تهديدًا مباشرًا لمصالح الولايات المتحدة).
ويعتبر مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد او مهما كان اسمه، من أهم تطبيقات نظرية الفوضى الخلاقة في الوقت الراهن وتمتد جذور هذه المشروع إلى أوروبا الثورة الصناعية، حيث بدأ يتشكل في الوقت الذي بدأ فيه مشروع أوروبا الكولونيالي يعي نفسه بشكل مبرمج مستهدفا قارات آسيا وإفريقيا، في زمن الإمبراطوريات الأوروبية، وكانت الحركة الصهيونية نتاجا مباشرا لهذا الوعي ولهذا التخطيط بحيث أصبحت أداة أساسية في صياغته وتنفيذ مشروع "الشرق الأوسط" الغربي، وكان هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية قد تصور قيام كومنولث شرق أوسطي في المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل عام 1897م، وأكد مؤتمر بلتيمور الصهيوني على تكريس مقولة الكومنولث الشرق أوسطي بقيادة الدولة الأشكنازية عام 1942م، ومنذ ذلك الحين شكلت صياغة الشرق الأوسط بالمعايير الغربية الإسرائيلية جوهر استراتيجية الكيان الصهيوني كوظيفة بنيوية لهذا الإسقاط الغربي في المنطقة.
ويعود أصل المشروع في نسخته التطبيقية الحديثة إلى مؤرخ يهودي شاب ذي أصول ببريطانية اسمه برنارد لويس يعمل أستاذ محاضر بجامعة لندن، ويعد برنارد لويس لمدة طويلة عميد الدراسات الشرق أوسطية في الغرب، وتعتمد نظرية برنارد لويس على فرضية أن الغرب المدعو بالعالم المسيحي يمر في آخر عصر من مراحل الصراع على السيطرة والهيبة بينه وبين الحضارة الإسلامية، وبرنادرد لويس هو الذي صاغ مقولة "صراع الحضارات" وصرح لويس في مقابلة مع مايكل هيرش من مجلة نيوزويك بأن أحداث الحادي عشر من سبتمبر شكلت الطلقة الأولى في المعركة النهائية في هذه الحرب الحضارية الطويلة، وأضاف أن الذي سينتصر في هذه المعركة سينتصر تاريخيا.
وقد بدأت بعض تفاصيل هذا المشروع تطرح في العلن عندما أطلق الرئيس الأميركي جورج بوش الصغير تعبير "الشرق الأوسط الكبير" في خطابه أمام الأمم المتحدة في 21 سبتمبر/أيلول 2004م، وتعد وزيرة الخارجية الأميركية السابقة الدكتورة كوندوليزا رايس أبرز من أعلن عن إطلاق مشروع عملية الفوضى الخلاقة في الشرق الأوسط كبديل للديمقراطية والاستقرار فيما أسمته "بالنهج المختلف" وذلك بمحاضرة ألقتها بالجامعة الاميركية بالقاهرة بتاريخ 30 / 6 / 2005م، حيث قالت: إن الولايات المتحدة سعت على مدى ستين عامًا إلى تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط على حساب الديمقراطية، ولكنها لم تحقق أيًّا منهما، وتتبنى الآن نهجًا مختلفًا، واستدركت رايس قائلة‏:‏ إن هناك من يقول إن الديمقراطية تقود إلي الفوضى والصراع والإرهاب‏،‏ والحقيقة ـ على حد قولها ـ أن العكس هو الصحيح‏..‏ إن الحرية والديمقراطية تشكلان الفكر الوحيد الذي يملك قوة التغلب عن الكراهية والانقسام والعنف‏.‏
ويعتبر الكثير من المتابعين والمحللين المتخصصين اليوم أن استخدام تعبير الفوضى الخلاقة او البناءة ما هو إلا لعب بالألفاظ الأكاديمية وقفز على الحقائق ومحاولة للالتفاف على أهداف خفية ومؤامرات سياسية جلية من خلال صك مصطلحات جديدة وغريبة في الوقت ذاته؛ لا هدف لها سوى تأليب الشعوب على بعضها البعض وجرها للتناحر والاقتتال والفرقة وتفتيت الجغرافيا وتقسيم الدول الى دويلات صغيرة وزعزعة امن واستقرار بلدان وشعوب الشرق الأوسط لصالح دول الغرب وقواه المتآمرة على عالمنا الإسلامي وقلبه العربي وعلى رأسها الصهيواميريكة العالمية .
وعلى حد تعبير البعض فإن: "هذه ليست هي المرة الأولى التي يتحفنا فيها الأكاديميون المتخصصون وصناع السياسة الأميركية بمصطلحات من هذا النوع، فقد أصبح صك المصطلحات السياسية غير المألوفة حرفة أميركية خالصة، ومجالاً محجوزًا لا يقدر أحد على الدخول إلى حلبة المنافسة فيه! ويبدو أن هذه الحرفة تحولت إلى صناعة تطرح منها في سوق السياسة ما تشاء بين الحين والآخر. ... فالأوضاع التي يدركها الناس على أنها تنطوي على قدر ما من عدم الاستقرار أو الغموض أو الفوضى؛ هي بطبيعتها أوضاع سلبية، لكنها حين تأتي مقترنة بأوصاف أخرى ويصبح عدم الاستقرار "منضبطا"، والغموض "بناءً"، والفوضى "خلاقة"، فمن الطبيعي أن تتبدل الأمور وتتحول صورة السلبي إلى إيجابي والقبيح إلى حسن، ولأننا لا نسأل أنفسنا عادة ذلك السؤال البديهي حول صاحب المصلحة، فغالبًا ما يقع بعض مثقفينا بحسن نية ـ أو يتعمدون الإيقاع بنا بسوء نية ـ في مصيدة هذه المصطلحات الأميركية المضللة"
محمد بن سعيد الفطيسي
•باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية رئيس تحرير مجلة السياسي ـ المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية
تويتر - MSHD999@

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق