الأحد، 19 أكتوبر 2014

محنة الحقوقيين في البحرين

محنة الحقوقيين في البحرين

  • عبدالنبي العكري
  • عبدالنبي العكري ... ناشط حقوقي
  • comments [at] alwasatnews.com

مع الاستفتاء على الميثاق في 14 - 15 فبراير/ شباط 2001، والخطوات الانفتاحية على المعارضة والمجتمع المدني، انفتحت أمام الحقوقيين البحرينيين بمن فيهم أولئك الذين كانوا صامدين على أرض الوطن طوال ثلاثة عقود من «أمن الدولة» أولئك الذين اضطروا للعيش في المنافي وحملوا معهم مهمة وهموم الدفاع عن حقوق الإنسان في البحرين، فرصة تاريخية للعمل في إطار الشرعية وبشكل علني ودون خوف.
وهكذا جرى الترخيص للجمعية البحرينية لحقوق الإنسان في 28 فبراير 2001، بعد أن ظلت تعمل لعام دون غطاء شرعي. كانت تشكيلة الهيئة الإدارية للجمعية تعكس طيف التركيبة للنخبة البحرينية الواعية ويجمعها الهمّ الحقوقي. وقد انضم الحقوقيون العائدون من المنافي (ومنهم أعضاء اللجنة البحرينية لحقوق الإنسان والمنظمة البحرينية لحقوق الإنسان وكلتاهما مسجلتان في الدنمارك) إلى عضوية الجمعية. بل إن لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان في البحرين، قد عمدت إلى استبدال عضويتها في الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، بعضوية الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان، وعمدت لجنة تنسيقها إلى إيقاف عمل اللجنة وحث الأعضاء على الانخراط في الجمعية.
ولقد اكتسب العمل الحقوقي زخماً مهماً في ظل هامش معقول من الحريات، واندفاع الحقوقيين وضحايا المرحلة السابقة، والجمعيات السياسية والمجتمعية وعموم أبناء الشعب، لمعالجة ملفات متراكمة من الماضي تضم مروحة واسعة من القضايا ومنها المشاركة السياسية، ومشاركة المجتمع المدني، وتشكيل النظام السياسي والإصلاحات المطلوبة، ومعالجة تركة العهد الماضي سواء بفتح ملفات الانتهاكات، أو إنصاف الضحايا، في إطار ما يعرف بالعدالة الانتقالية ووضع حد للسياسات السابقة مثل الإفلات من العقاب، والتعذيب، والاعتقال التعسفي، والمحاكمات الجائرة والنفي، والتمييز والتسريح القسري، وشهد المجتمع حراكاً لا سابق له في مختلف الاتجاهات وعلى مختلف الأصعدة، سواء بالتدريب والتأهيل على حقوق الإنسان، أو عقد المؤتمرات والندوات وورش العمل، أو فتح الحوارات إلى جانب الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان، فقد تشكل مركز البحرين لحقوق الإنسان في العام 2012 كما بادرت مجموعات مختلفة إلى تشكيل لجان، مثل لجنة ضحايا التعذيب، ولجنة أهالي الشهداء، ولجنة العائدين إلى الوطن، ولجنة عديمي الجنسية وغيرها، ورغم أنها غير مرخصة، إلا أن السلطة لم تتعرض لها، وتعاطت معها كأمر واقع وفي هذه الأجواء فقد كان هناك انفتاح وتعاون ما بين الجمعيات واللجان الحقوقية مع الوزارات والجهات الرسمية المعنية مثل العمل، والتنمية الاجتماعية والخارجية والداخلية، والعدل، بل إن هذه الجهات شاركت في ورش عمل لمنتسبيها مع الحقوقيين نظمتها الجمعية أو المركز بالتعاون مع منظمات عربية مثل المنظمة العربية لحقوق الإنسان، والمعهد العربي لحقوق الإنسان، واللجنة العربية لحقوق الإنسان أو دولية مثل فريدوم هاوس، وهيومن رايتس ووتش، والعفو الدولية والفيدرالية الدولية، وامتد ذلك إلى منظمات الأمم المتحدة مثل المفوضية السامية لحقوق الإنسان وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
ويمكن اعتبار زيارة المفوض السامي لحقوق الإنسان ماري روبنسون البحرين في يناير/ كانون الثاني 2002، واجتماعها مع القيادة السياسية وكبار المسئولين وممثلي المنظمات الحقوقية البحرينية، علامة بارزة في هذا التوجه البناء.
شهد نهاية عام 2004، حل مركز البحرين لحقوق الإنسان وانتقال بعض قياداته إلى الصف الحكومي، وتخليهم عن رفاقهم في محنتهم بحل المركز واعتقال أهم قيادييه عبدالهادي الخواجة، إثر ندوة عن الفقر في نادي العروبة في سبتمبر/ أيلول 2004، واستنفار الصحافة، والمؤسسات الأهلية الموالية في حملة ضارية ضده، وضد المركز.
يمكن اعتبار العام 2005 عام التحول الملحوظ في توجهات الدولة لكن هذا التوجه من الدولة، تغير كما تغير تعاطيها مع القوى السياسية المعارضة، فمع مرور الزمن، عمدت الدولة إلى احتواء العمل الحقوقي المستقل ووضع الضوابط والقيود على عمل المنظمات والشخصيات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني بشكل عام. وإذا كان قد جرى عدم تفصيل القوانين القديمة سابقاً، فقد بدئ بتفعيل القوانين التعسفية، ومنها قانون الجمعيات والأندية، وقانون التظاهر وقانون العقوبات.
وفي الجانب الآخر فقد جرى تفريغ العديد من المنظمات الأهلية ومنها الحقوقية ودعمها رسمياً في مواجهة المنظمات الحقوقية والمجتمعية المستقلة. وتراجع كثيراً التعاون الرسمي مع المنظمات الحقوقية المستقلة إلى ما يشبه القطيعة وعرقلة أعمالها.
شهد العام 2006 الكشف عن التقرير المثير للجدل والذي كان يجري العمل بتنفيذه وأحد أهدافه تجريم العمل الحقوقي المستقل وتسويغ انتهاكات حقوق الإنسان وقد أثبت مؤتمر العدالة الانتقالية الذي نظمته الجمعيات الحقوقية في 26 يونيو/ حزيران 2006 الموقف الرسمي بالإنكار الرسمي الحازم للعدالة الانتقالية.
انشغلت المعارضة بخوض انتخابات 2006 عما يجري على الأرض من تنفيذ حثيث للتقرير المثير للجدل، ورغم توعدها بطل التقرير بالاستجواب في البرلمان، إلا أن ذلك لم يتمخض عن أي نتيجة بسبب تركيبة البرلمان ومحدودية صلاحياته، وتسارعت وتيرة تنفيذ المخطط كما شهد عام 2006، إعداد وزارة التنمية الاجتماعية مشروع قانون منظمات المجتمع المدني، والالتفاف على المشروع البديل الذي اقترحته المنظمات المجتمعية المستقلة ومقترحات المركز الدولي للقانون غير الربحي (نيويورك)، الذي استعانت به الوزارة بدعم أميركي.
استمرت حالة المراوحة ولكن نحو الأسوأ حتى وصلنا إلى عام 2010، حيث بدأت الحملة فعلاً على المنظمات والشخصيات الحقوقية المستقلة، وذلك بزجها في قضايا مفتعلة مثل قضية الحجيرة، وأدى ذلك لاعتقال حقوقيين ومدونين إضافة إلى شخصيات معارضة معروفة. أضحى اعتيادياً قمع المحتجين بقسوة، وعودة ممارسات الماضي، وفيما عدا عملية المراجعة الدورية الشاملة لحقوق الإنسان بدءاً من يونيو 2008، والتي لم تتعدَّ عمليات شكلية مثل عقد ورش عمل وتدريب وندوات ومشاركة شكلية للمنظمات الحقوقية، فإن مجمل العملية كانت محاصرة العمل الحقوقي المستقل، وإبراز العمل الحقوقي الشكلي. لكن المحطة الفاصلة كانت في الحراك الذي انطلق في 14 فبراير 2011 حيث انطلقت طاقات هائلة من منظمات وجمعيات ولجان وشخصيات في إطار الحراك الجماهيري الواسع، وبعدها كانت هناك تحديات أخرى.
عبدالنبي العكري
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 4425 - الأحد 19 أكتوبر 2014م الموافق 25 ذي الحجة 1435هـ

الأربعاء، 20 أغسطس 2014

تقرير حركة جعفر الخابوري الا سلا ميه


عندما ذهبت للولايات المتحدة أول مرة للدراسة، وفي أثناء دراسة اللغة الإنجليزية كان معي في الفصل، في أول فصل دراسي لي، اثنان من الإسرائيليين، أحدهما شاب جذوره مغربية والآخر رجل في منتصف العمر جذوره من أوروبا الشرقية. في أثناء حديث دار بيننا مرة تناولنا وضع فلسطين والسياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين فطرحت عليهما سؤالاً حول ما الذي يريانه كحل للمسألة.

الرجل ذو الجذور الأوروبية الشرقية قال لي «لقد اشتركت حتى الآن في حربين مع العرب، وأعرف ما تعنيه الحرب وما تفرزه من معاناة ومن أسى على الطرفين، لذا لا أعتقد أن غير السلام حلاً يجب أن يسعى إليه الطرفان» أما الشاب ذو الأصول المغربية فقال لي «لماذا تعتقدين أن على "إسرائيل" الاهتمام بالفلسطينيين، لديكم متسع من الأرض في الأراضي العربية، خذوهم وابنوا لهم وطناً عندكم، أو ابعثوهم إلى باكستان، نحن لسنا مسؤولين عنهم».
بعد هذا الحوار بسنوات قليلة، وأثناء دراستي للسينما في الولايات المتحدة كنت في زيارة لبريطانيا في إحدى إجازاتي، وهناك سعت إحدى صديقاتي المقيمات في لندن في ذلك الوقت إلى ترتيب لقاء لي مع إحدى المخرجات البريطانيات العاملات في مجال الفيلم الوثائقي لنتعرف على بعض، كما قالت صديقتي ولتبادل الأفكار والحوار.
عندما دخلنا إلى بيت تلك المخرجة شممت رائحة طعام عربي، ولا أعرف لماذا وقتها شكلت تلك الرائحة نوعاً من الهاجس إلى أنها ترمي إلى وجود شيء له علاقة بـ"إسرائيل". ذلك كان شكل من ردات الفعل خبرته في جسدي حين يكون هناك شيء من الوجود الإسرائيلي يشغل حيزاً من المكان الذي أكون فيه.

ولن أتجه إلى الدخول في عملية تحليل معقدة تسعى إلى محاولة تفسير تعامل الجسد مع محيطه بما يكشف وجود مجسات ذكية في أجسادنا تحلل محيطها وتخبره بما يحيط به من «طاقات إنسانية أو طبيعية» إنما سأعود إلى موضوعي الأساسي.
بعد دقائق من وجودنا في بيت المخرجة دخل إلى المكان الذي نجلس فيه شاب أتذكر أنه كان يرتدي قميصاً وبنطالاً قصيراً ودعانا إلى الإفطار معه ومع المخرجة، الذي قال إنه يحتوي فولاً وأشياء أخرى لا أذكرها الآن، فاعتذرنا لهم عن المشاركة لأننا كنا قد أفطرنا.
بعد الإفطار جلسنا للحديث، وكان أن عرفتنا المخرجة بذلك الشاب ثم حدثنا الشاب هو عن نفسه وعن الهدف من تواجده في بريطانيا وقتها. قال لنا إنه شقيق فعنونو، الخبير المهندس الإسرائيلي العامل في مجال علوم الذرة، والذي كان قد كشف للعالم وقتها، وأثناء تواجده في خارج "إسرائيل" عن أن تلك الدولة تعمل في مجال صناعة وإنتاج السلاح النووي وأنها تمتلك قنابل ذرية، وأنها بذلك تشكل خطراً على شعبها وعلى العالم أيضاً.

وقد استدعى تصريح فعنونو ذلك من دولة "إسرائيل"، كما يعرف بعضنا القصة، إلى ملاحقته واختطافه من الدولة التي كان فيها ومن ثم سجنه ومحاكمته بتهمة الخيانة الكبرى. وأضاف لنا ذلك الشاب، أن وجوده في بريطانيا هو جزء من سعيه إلى إيجاد رأي عام يسعى إلى إيقاف قرار "إسرائيل" الرامي إلى إدانة فعنونو ومحاولة السعي إلى إطلاق سراحه، لأنه كما قال، لقد كان هدف أخيه من تصريحه ذاك السعي إلى تقليص الخطر الذي يواجه، ليس العرب، وإنما الوجود الإسرائيلي نفسه، والبحث عن حلول سلمية.
ولقد خطر لي وقتها أن أطرح على ذلك الشاب، وبعد أن عرفت أن أصوله تنحدر من اليهود المغاربة سؤالاً حول حقيقة أن الكثير من اليهود المنحدرين من الأصول الشرقية أكثر شراسة وعدوانية تجاه العرب من اليهود المنحدرين من أصول غربية.

فقال لي إن اليهود الشرقيين مواجهون دوماً بقضية إثبات الولاء لـ"إسرائيل"، وذلك سعياً لنفي علاقتهم بجذورهم العربية أو نفياً للصلة الإنسانية التي تنامت بينهم وبين باقي العرب كنتيجة لتعايشهم التاريخي الطويل معهم، وبالتالي فإن اليهود المنحدرين من أصول شرقية يحاولون طوال الوقت إثبات ولائهم لدولة "إسرائيل" حتى لا يتهموا بالتحيز لأصولهم أو التنكر ليهوديتهم.

تذكرت هذه المواقف، ومنها لقائي ذاك مع أخ فعنونو، اليهودي ذي الجذور المغربية، وأنا أتابع مواقف وزير الحرب الإسرائيلي عمير بيريتس، المنحدر هو الآخر من أصول شرقية، مغاربية تحديداً، في الحرب الدائرة بين حزب الله ودولة "إسرائيل"، وكيف كان بيريتس شرساً وعدوانياً وغير رحيم فيها، وهو الذي قدمته وسائل الإعلام، في بداية ظهوره للمجال السياسي العام على أنه أحد أهم المهتمين بقضايا العدل الاجتماعي في "إسرائيل"، وأحد المهتمين والناشطين في قضايا السلام بينهم وبين الغرب.

ولقد كان هناك الكثير من التركيز في الصحف، حين الحديث عن شخصية عمير بيريتس على تلك الجوانب، وبخاصة اهتمامه بقضية السلام، مما جعلني أعتقد وقتها أنه ربما يأتي إلى موقع القرار الإسرائيلي من سيكون أكثر حرصاً على التعايش السلمي بيننا وبينهم.
لكن مواقف بيريتس في الحرب ضد لبنان، والشراسة والعدوانية الكبيرة التي أظهرها تجاه العرب في تلك الحرب أعادت إلى ذهني تلك المواقف التي مررت بها يوماً والتي ناقشنا فيها مشكلة الأقليات اليهودية، خاصة تلك التي تنحدر أصولها من الأراضي العربية وعقدة إظهار الولاء التي تعيشها تلك الأقليات.

وهي مشكلة بالفعل معقدة وخطيرة. لذا فإنني أعتقد أن اختيار بيريتس من قبل الحكومة الإسرائيلية لشغل منصب وزير الحرب لم يكن اختياراً اعتباطياً أو عشوائياً، إنما هو اختيار مدروس، لأن تلك الحكومة تدرك أن بعض عناصر الأقليات تحاول طوال الوقت التنكر لجذورها، ومن ثم إثبات الولاء للدولة التي انتمت إليها والدفاع بكل شراسة عنها.
والذي يدرس بتمعن تركيبة وتاريخ "إسرائيل" يعرف تماماً هذه المؤشرات. كما أن الذي يدرس تاريخ بعض الأقليات اليهودية في دول العالم، ومنها بعض الدول العربية، يعرف أن الكثير من عناصر تلك الأقليات لعبت دوراً خطيراً في دعم قوى الاستعمار ضد تلك الدول، على سبيل المثال، وأنها كانت دوماً تسعى لإثارة القلاقل والمشكلات بما يخدم مصالحها هي، وليس المصلحة العامة للمجتمعات التي عاشت فيها.

اليوم، وعلى الرغم من أن الكثيرين من الإسرائيليين يعرفون أن أنظمة الحكم الإسلامية هي الأنظمة التي حافظت أكثر من غيرها على احترام حقوق اليهود واحتضنتهم واحترمت عباداتهم وطقوسهم، إلا أن شخصية مثل بيريتس تعيد إلى الأذهان مشكلة الأقليات اليهودية وعدم تخلصها من عقدها الكثيرة. مما يثبت أن مثل تلك المشكلات بحاجة إلى معالجة واهتمام، والأكثر من ذلك، بحاجة إلى أنظمة حكم تمارس العدالة المجتمعية الحقيقية وتحافظ على كيان وحقوق الأقليات، وهذا ما لا تملكه "إسرائيل"، وإن ادعت غير ذلك.